منتديات آباسا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
وجهة نظر في جوانب من الذهنية التراثية الأسطورية الكردية ... وليد حاج عبد القادر Home10الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 وجهة نظر في جوانب من الذهنية التراثية الأسطورية الكردية ... وليد حاج عبد القادر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
memê abasî
الإدارة
الإدارة
avatar


ذكر

تاريخ التسجيل : 07/07/2009

عدد المساهمات : 561


وجهة نظر في جوانب من الذهنية التراثية الأسطورية الكردية ... وليد حاج عبد القادر Empty
مُساهمةموضوع: وجهة نظر في جوانب من الذهنية التراثية الأسطورية الكردية ... وليد حاج عبد القادر   وجهة نظر في جوانب من الذهنية التراثية الأسطورية الكردية ... وليد حاج عبد القادر I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 05, 2009 11:44 pm

وجهة نظر في جوانب من الذهنية التراثية الأسطورية الكردية ... وليد حاج عبد القادر Welid_10
وليد حاج عبد القادر

(وجهة نظر في جوانب من الذهنية التراثية الأسطورية الكردية)*
"بقلم:وليد حج عبد القادر"

إن التراث الشعبي الكردي-شأنه شأن تراث معظم الشعوب ، لم يدع جانباً إلا وترك في سياقه التاريخي تصوره ،فأضحى أثراً ظلت الذاكرة الشعبية تنقله من جيل لآخر ،رغم ما أضيف إليه عبر التاريخ إلا أن أي
مدقق أو باحث سيتمكن من تنقيته و سيتعرف على ما أضيف إليه وألحق به من تحديث .
وقد استغرقت مسألة الخلق وتصوره ما وراء الطبيعة ،وصراع الإنسان مع محيطه ،حيزاً مهماً من إبداعه ،فقد وقف يتطلع حوله مستغرباً،عاجزاً عن فهم الكثير من الظواهر التي اعترضته في نمط حياته القاسية ،حيث خاض صراعاً مريراً مع قوى الطبيعة حتى استطاع أن يميز نفسه –على الأقل –عن محيطه،لتدخل الكثير من تلك الغوا مض ذهنيته ووعيه،فنظر إليها بتقديس وورع خوفاً منها،وأنشد فيها تراتيله وترنيماته الأولى،وصاغ تصوراته حول الخلق والنشوء،والصراع،فظهرت تجريداته ورموزه من خلال أساطيره حيث بدت تلك الرموز والتجريدات –حتى مرحلة قريبة مقارنة مع الفكر الحديث وكأنها قصص وهمية وضعها خيال بدائي.لتغير النظر إليها في الوقت الحاضر وبدء فهمها على أنها طريقة شعرية للتعبير عن المعنى الكامن في الوجود يقول أرسطو :
"فأرفع علم يفوق كل علم دونه ،وهو العلم الذي يعرف لأية غاية يؤتى كل عمل،وهذه الغاية هي الميزة في كل كائن وعلى وجه الإطلاق،إنه الخير الأسمى في مجمل الطبيعة..مالفت نظر المفكرين الأولين في البداية،كان البسيط من الصعوبات ،ثم برحوا يخطون الخطوة إلى أن حاولوا أن يذللوا مشاكل أكثر خطورة مثل ظاهرات القمر والشمس والكواكب..فمن يلاحظ صعوبة ويدهش لها ،يتهم نفسه بالجهل،ومحب الميثولوجية هو من بعض الوجوه محب الحكمة لأن الأسطورة تتركب من أمور مدهشة .."1".من هذا المنطلق فقد بقي وعي الإنسان البدائي العام رهن محسوسا ته المباشرة ،فلا غرو أن يعبد الأشياء "الطواطم" صعوداً إلى قوى طبيعة أعلى ..فقد حسبوا النار أو الريح،الهواء اللطيف أو مدار النجوم ،لجة المياه أو نيري السماء(الشمس والقمر)آلهة تسود العالم ،وتراثنا الكردي يحتوي على حكايات متعددة ثرية جداً بالمشاهد والشخصيات الأسطورية تحتاج دراستها إلى ثقافة تاريخية وأثرية عميقة والتي أعتقد بأنه لابد من تضافر جميع الجهود وذلك لجمع وتدوين مالم يدون برواياتها المختلفة وإجراء الدراسات عليها من قبل المختصين في هذا المجال ثم مقارنتها واستخلاص مكنوناتها ضمن سياقها التاريخي –المعرفي..ففي جذور وعينا وتصرفات كبار السن فينا-حتى الآن-بعض الصور والمظاهر التي توحي لأي متتبع بامتداد جذورها إلى أعماق التاريخ..وكادت بعضها أن تذوب وتمحى من الذاكرة نتيجة لإهمالها وعدم دراستها مثل \ايلم-لاوكي"رهواني أو راواني"-لاوكي متيني "معدني"-كجكا جل كزي-لاوكي خرفاني...\ أضف إلى ذلك العشرات من الحكايا والقصص أو الأساطير والتي أدمج بعضها مع ثقافات الشعوب المجاورة دون أن نحاول توضيح أوتبيان النص الكردي على أقل تقدير"مثلاً قصة هيشمراري الكردية والتي تصل إلى مرتبة الأسطورة بحوادثها وتقاطعها الواضح مع الأسطورة اليونانية/ارسي وابسخي/وقصة/هيلاليسا/وتقاطعها مع قلعة دمدم وبنج زيرين/..
ويكفينا تأملاً في بعض الألفاظ الكردية لتستوعب مدلولاتها التاريخية الأسطورية لكثرة ورودها وذكرها في حكاياتنا مثل /ziyan الأذية-الملمة المصيبة أو_izdehak-ijdehak-ziyan-الحية الكبيرة "الأسطورية"وكذلك/zew/وجبة الطعام المقدمة كأضحية عند المراقد والمقابر في القرى هذه العادة التي لاتزال مستمرة في بغض المناطق إلى وقتنا الحاضر ومدى مقاربتها لتقديم الأقدمين من الأضاحي في المعابد المختلفة ..ولعلنا نستطيع تشخيص بعض الشذرات من الظواهر القديمة الموغلة في أعماق التاريخ .نتلمس بعض جذورها الآن.نأخذها مدخلا لمعالجة موضوعة الماء –المطر،المرادف للخصب-الولادة في الذهنية الكردية،فلنبدأ بالطواطم والطواطم:هي عبادة بعض الظواهر والأشياء الغريبة لنسق واحد/أسرة-عشيرة/وتأخذ هذه بالتدرج بدءاً من الحجر والطير"كالطاووس أو الصقر"فالجبل أو الشجرة،فتلقي عليها من التقديس والتبجيل ومع الزمن تأخذ طوراً إلهياً وقد تتطور إلى حيوانات أسطورية ك./dew/مثلا أو الشمس، والنار الرعد،البرق..وقد يمتد هذا في تدرجه باللاوعي حتى وقتنا الحاضر"كالقسم مثلاً حتى الآن بالشمس والنجوم ..رغم وجود الإله الواحد في تصور جميع الذين يحلفون"..هذا من جهة ومن جهة أخرى فبالقرب من المرقد الرئيسي ل"كجكا كزي""2" في /باعوث-قرب ديريك-لاتزال هناك إلى اليوم صخرة سوداء متميزة عن جوارها،وقد أحيطت بسياج من الحجارة ،يؤمها العجزة طلباً للاستشفاف من الأمراض –كالروماتيزم مثلاً،ويقال بأنهم –أي العجزة-عندما كانوا صغاراً كان آباؤهم يأتون بهم إلى هذه المنطقة أيام/zew/فتقدم الأضحية عند المرقد ومن ثم يقومون بالدوران حول تلك الصخرة تبركاً وابتهالاً،ويقبلونها من جميع الاتجاهات جاثين طائعين ليرفع عن قلوبهم الخوف من الرعد ،ويقيهم شر الإصابة بالبرق –وإلى الآن تسود الذهنية الشعبية بأنه خير وسيلة لاتقاء الصواعق هو اتخاذ جزء أو شظية من المكان الذي ضربه البرق والاحتفاظ به كترنيمة-أحجية تقي المكان أوالنفس غضب البرق..أي أن كل ضربة برق لمكان هي تطهير ،وتبرك له يجب تبجيله وتقديسه –وأغلب الظن أن هذه الظاهرة تعد البدايات لانتشار الأحاجي-الرقي أو التعويذة التي بدأ الناس يلقونها بأجسادهم لتقيهم غضب الآلهة والأرواح الشريرة ...وكذا مسألة استكشاف المستقبل فقد سادت هذه العادة أيضاً كما عند غيرنا وأن اختلف الشكل ،فما زال الكثيرون يأمون الأماكن القديمة /مرقد كجكا جل كزي،ومن ثم مرقد الإمام علي بن أبي طالب بجانبها ،في باعوث،فيما بعد.والدير الروماني في ديريك/وفق طقوس خاصة امتزجت معاصرة مع بعض الممارسات المسيحية كالذهاب باكراً وقبل غروب الشمس حافي القدمين .ومن ثم انتزاع قطعة فخارية ملساء وترطيبها قليلا بلعاب الفم،والابتهال إلى الزار –المرقد ومن ثم التمني والتوقع /هل سأنجح...هل ستكون فلانة أو فلان من نصيبي ؟/فإذا ألصقت يعاد الأمر أكثر من مرة وكذلك في حالة العكس ،كما كان يفعل الأقدمون في استشارة الآلهة في معابدهم بواسطة الكهنة فيما كانوا ينوون القيام به،واستكشاف مدى رضى الآلهة أو عدم رضاهم عن ذلك .وهناك شواهد ومعطيات كثيرة في الموروث الذهني الأسطوري الكردي،ولكن ما يهمنا هنا هو الوقوف على بعض من التقاطعات الأساسية في الذهنية التراثية الكردية كتفسير للمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية ،وخصوصا المناخية منها ،وتبيان البعد الرمزي الإيحائي لها وقد توخيت إعطاء وجهة نظر في ثلاث نماذج –معروضة للنقاش،عساها تفتح باباً للتوسع في الجمع والدراسة وعسى المختصين ينتخون في التصدي لدراسة تلك المعطيات التراثية في :
الحكايا والملاحم قبل أن تذهب بقيتها مع من تبقى من الحفظة على قيد الحياة .والنماذج الثلاث أحددها في :
1- المتغيرات المناخية وكيفية تجسيدها في الذهنية التراثية الأسطورية "وهي موضوع هذا العرض"
2- المتغيرات في النمط التشكلي الاجتماعي الاقتصادي وبلورته من خلال العض الثاني وهو ل"ملحمة زمبيل فروش ...
3- الأسطورة العليا.من خلال تناول نوروز في أبعاده الرمزية Ezdehakوالنار واكتشاف المعدن ومن ثم كاوا أو كياكيس و/كي خسرو/وفتح نينوى... أو مم وزين ..وتداخلات الموه أو الماء والحياة ..
4- وأعود لأؤكد من جديد بأن هذه الصفحات هي للنقاش ...للنقاش فقط..قد نتمكن من خلال التوسع فيها الوصول إلى تقاطعات ،ننسج من مجموعها ما يمكن تسميتها بدراسة لبعض من وجوه الذهنية التراثية لهذا الشعب ...
*بداية الخلق من وجهات نظر أسطورية مختلفة :
منذ أن وجد الإنسان نفسه على الأرض ،أخذ يتأمل ما حوله باستغراب ،ومع تأقلمه مع بيئته وتطور وعيه أخذت نظرته تتبلور في اتجاه يتجاوز الملموس مباشرة ،فعزا إلى كل ما عجز عن فهمه بعداً خارقاً،ما لبث أن اتخذ بعداً مقدساً ومن ثم آلهاً.."3"وتكاد الذهنية الأسطورية للشعوب القديمة أن تتفق على موضوعة الأرض الأم كإلهة،فتستمد منها الأنوثة –المرأة سدتها الربوبية في مجتمع الأمومة أول ما اتجه إليها الأنظار تقديساً فهي مأواه وهي مانحة أكله وشربه وقد تجسدت في الذهنية الرافدينية"بلاد مابين النهرين"في شخصية تعامة ،في مراحل الخلق الأولى فتمثلت كما في بداية "اينوماليش"بكونها حاملة الخصب ،أي الأكوان الجديدة ،بهيئة الآلهة الجديدة:
/عندما لم يكن هناك سماء /وفي الأسفل لم يكن هناك أرض /لم يكن إلا آبسوا أباهم /وممو وتعامة التي حملت بهم جميعاً/يمزجون أمواههم معاً /قبل أن تظهر المراعي وتتشكل غياض القصب/قبل أن يظهر للوجود أي من الآلهة الآخرين /وقبل أن تمنح أسماءهم،وترسم أقدارهم /في ذلك الزمان خلق الإله في داخلهم /"4"
ومن ثم تزداد الولادات ويكثر الأبناء فتدب الخلافات والمنازعات فيتوجه أحد الأبناء ويدعى /أيا/إلى أبيه قائلاً:/أي أبتاه:تعامة التي حملت بنا تكرهنا/والأم هابور خالقة الأشياء جميعاً/ملأت أجسادها سماً بدل الدماء/"5".وقد تجسدت الأرض بصفاتها الخصبوية –في الأسطورة السومرية أيضاً-بالمرأة من خلال تحكمها بالعالمين السفلي والعلوي /إنانا/ملكة العالم العلوي و/أرشكيجال/ملكة العالم السفلي "6"...ويتوضح هذا المفهوم أيضاً في بعض المخلفات الأثرية الحورية ففي مقدمة أنشودة العبادة الحورية والتي ما تزال تسمى بأنشودة العبادة الأوغاريتية لاكتشاف أجزاء منها هناك !!"وقد أفادتنا ترجمتها بأن هذه الأنشودة كانت مخصصة لآلهة اورحيا كما يقول الأستاذ علي القيم ..والجزء العلوي من هذا الرقيم يحتوي "على كلمات أغنية يدور محورها حول الإلهة "نيكال"زوجة آلهة القمر ويتبين من كلماتها عبارات "محبوبة القلب"و"أنت تضمرين لهم الحب في القلب "و"إنما ولدنا منك".."7"..وفي الهند في "البراها دارنايكا أو بانيشاد"/يقول الزوج لزوجته:أنا السماء وأنت الأرض وفي /الآثار فافيدا /يتمثل الزوجان في السماء والأرض "8"..وعدت الأرض مصدر الحياة وواهبة الروح في الأسطورة اليونانية يقول الشاعر اليوناني الكبير بنذرس في النشيد النميئي السادس :/هناك جنس البشر وجنس الآلهة ،لاغر وان أما واحدة هي الأرض نفحتنا وإياهم نسمة الحياة /"9"وفي الانياذة "يحتفل ديدون بزواجه من اينيا وسط عاصفة شديدة ويتطور اتحادهما مع اتحاد العناصر /السماء يضاجع زوجته "الأرض"مريقاً فيها مطر الإخصاب وعند الإغريق تحاكي طقوس الزواج مثل زيوس"الذي يتحد خلسة مع هيرا""10".
ومع سعي الإنسان نحو الاستقرار وظهور بوادر الملكية الخاصة ونزوعه –أي الإنسان- نحو الزراعة في تلك المرحلة التاريخية من قلة معرفة أو ندرة للمساحات المعتمدة على الري ،لتتوضح معالم أهمية استقرار المناخ ،وهطول المطر ،وتوفر الماء لنمو الزرع لتأمين مستلزمات المعيشة،فكانت أن أدت حالات تأخر هطول المطر إلى ظهور طقوس وابتهالات ما يعرف حالياً في الإسلام مثلاً ب"صلاة الاستسقاء".فقد ارتبطت مفهوم الخصوبة الطبيعية "الأرض المطر"بالعملية الجنسية:الأرض-الأم السفلي والإله –السماء الأعلى الذي يرسل مياهه المطرية فيلقح الأرض وتلد ثمارها وأزهارها ،فارتبطت هذه العملية بمفهوم الزواج والتواصل الجنسي بين الرجل والمرأة حيث المرأة هي مصدر الخصب والتناسل والرجل هو عاملها ..وقد تجسدت هذه الصورة بآلاف التماثيل والحكايا والأناشيد في مختلف الحضارات ،والتي حوت في أبعادها الرمزية تصورات واضحة عن ذلك –كما إلهة الخصب الحورية والمجسدة بامرأة لها أثداء متعددة ."12"ولعل الصورة تتوضح معنا لدى قراءة هذه المقاطع من أسطورة دوموزي واينانا السومرية حينما يتلمس دوموزي أن تعطيه اينانا /حقلها ،الذي يدفق بالخضرة الوفية :/أي مليكتي العظيمة ،صدرك هو حقلك //أي اينانا ،صدرك هو حقلك/حقلك الفسيح الذي يدفق بالزرع /حقلك الفسيح الذي يدفق بالزرع/حقلك الفسيح الذي يدفق بالحب /الماء يدفق من الأعلى –رباه-الخبز من الأعلى /...../صبيه من أجل الرب الذي أشير إليه /سوف أشربه منك /"13"..ولعله لهذه الأسباب اعتبرت الممارسة الجنسية بين الزوج والزوجة في معظم المعتقدات القديمة عمل مقدس ومن وضع تلك الممارسة اتخذت الأبعاد والرموز "الإلهة السفلى والإلهة العلوي"ومن ثم لتصور الأعضاء التناسلية وتشبه بأبعاد أسطورية كما "اينانا "في الأسطورة السومرية التي أنشأت أغنية تغنت فيها-بعضوها الأنثوي-الذي شبهته ب"قارب السماء"و"الهلال الجديد،والأرض المراحة والحقل العالي،والرابية،ثم تخلص مستعجبة:/أمامن أجلي/من أجل "14"..من أجل ،الرابية المكومة لي أنا العذراء ،فمن يحرثه لي ؟/ /"...."الأرض المروية من أجلي /لي أنا الملكة من يضع الثور هناك؟ فيأيتها الجواب :/أيتها السيدة الجليلة ، الملك سوف يحرثه لك ،دوموزي الملك سوف يحرثه لك /...فتجيب جذلى :/احرث / /.../ /يا رجل قلبي / .بعد أن تنظف حضنها القدسي ،يتعاشران ،ولا عجب بعد ذلك أن تشيع الخضرة في كل ما حولهما :في حضن الملك وقف الأرز الطالع /الزرع طلع عالياً بجانبه /والبساتين أزهرت خصباً بجانبه /..ولا عجب كما تمضي القصيدة :/في بيت الحياة ،بيت الملك /زوجته سكنت معه في فرح /..."وتتعهد"..بأن تحافظ على "مخزنه"أو كما تقول اينانا :/يا زوجي،المخزن الكبير ،الاصطبل المبارك/أنا اينانا ،وسوف أحافظ عليه من أجلك/ /سوف أحرس "بيت الحياة"الذي لك /مكان العجائب المشع في البلاد /البيت حيث قدر جميع البلاد يكتب / /حيث الناس و[الأشياء يعملون بهديه /../سوف أحرس "بيت الحياة"الذي لك/بيت الحياة مخزن الحياة المديدة/أنا اينانا سوف أحافظ عليها من أجلك/"15".
وقد ارتبط الجدب وانحباس المطر أيضا بالعقم النسائي ،وبما أن المرأة هي عامل الإنجاب ،وإن انحباس المطر ، وانقطاعه يعني المحل وفقدان الخصوبة ،وحيث أن العامل يعمل على حد قول أرسطو فإن فقدان الزوج أيضاً يؤدي إلى توقف التناسل –إن لم نقل انقطاعه-فها هي اينانا تندب عريسها الشاب دوموزا:
/ذهبوا بزوجي الحبيب ،زوجي الحبيب/ذهبوا بابني ،ابني الحبيب/زوجي ذهب به نباتات"المقدمة"/زوجي ذهب به نباتات المؤخرة/زوجي يبحث عن طعام ،فتحول إلى طعام/ابني ذهب يبحث عن ماء،فاسلموه إلى الماء/عريسي مثل يد سحقت ...غادر البلدة /النبيل مثل رأس السويقة المسحوقة باليد ،رحل عن البلدة/"16".
وانسجاماً مع هذه القدسية ولضمان رضى الآلهة واستمرار تدفق-المطر-الخير،كانت عادة تقديم الأضاحي البشرية والتي اختلفت جنسها ونوعها من حضارة إلى أخرى،من عادة ا لأضحية أو القرابين طابعها الأنثوي-النسائي،كما عند المصريين القدماء وكما في هذه الحكاية الشعبية الكردية والتي سنستقي منها موضوع عرضنا .تقول الحكاية "17":
-كان هناك في زمن قديم جداً،ملكٌ لمملكة له ولدٌ وحيد،ذو جمال أخاذ،كان يقضي وقته في اللهو والصيد ،أراد والداه تزويجه فخيراه لاختيار من يشاء من المملكة ،ولكنه تجاهل الأمر،ومع ضغط والديه احتار واغتم وفي إحدى الليالي وهو نائم سمع في حلمه منادٍ يقول له عليك بالزواج من الأميرة...بنت الملك... وفي اليوم التالي استفسر عن تلك المملكة مستدلاً عليها لينطلق بعد ذلك بمفرده بعد أن تزود بما يكفيه من المؤونة مسافة الطريق من دون أن يخبر أحداً ...سار أياما وأسابيع حتى أطل على حدود الإمارة المنشودة ،فارتأى الدخول إليها ليلاً...لمح راعياً مع بضع غنيمات فبادله ثيابه وأعطاه فرسه مقابل خروف حيث ذبحه وطبخ قسماً من اللحم ومن ثم أفرغ جوف الخروف من الروث ومن ثم نظفه جيداً وخاطه على مقاس رأسه ليبدو أصلعاً"18".خبأ سيفه الأميري تحت اثماله فبدا وكأنه صعلوك متشرد يتطاير الذباب فوق رأسه ... وسنسميه كوري منذ الآن ...ومع قدوم الليل دخل المدينة طارقا أول باب صادفه،ردت عليه امرأة عجوز تسأل عن الطارق فقال :أنا غريبٌ أريد مكاناً أقضي فيه ليلتي. قالت العجوز :يا ولدي،أنا امرأة عجوز وحيدة ،فكيف لي أن أبيتك عندي؟.رد عليها:يا أماه إنني لاأعرف أحداً في هذه المدينة ...فآوته العجوز ،وقدمت له قليلاً من الحليب كعشاء،واستفسرت منه ما أتى به هذه المدينة !!.فأجابها بأنه قدم يبحث عن عملٍ.قالت له:الناس يهربون من هنا وأنت قادم تبحث عن عمل !!ليسألها عن السبب:فأجابت :إن الناس تهرب من العطش فقد حلت بالمملكة ملمة كبيرة،فقد تسلط على النبع/dew"ديو""19"/.لايعطي الماء للشرب إلا بعد تقديم أضحية له تتجسد بفتاة على أن تزين كعروس وتؤخذ إلى النبع ليلهو معها بعضا من الوقت ومن ثم يأكلها،فيفسح المجال لقليل من الماء لكي يسيل ،وقد استهلك معظم فتيات المملكة ولم تبقى سوى الأميرة وجارية وحيدة لها وغداً هو دور الجارية وبعد غد دور الأميرة وقد نادى منادي الملك بأن من ينقذ المدينة من هذا الوحش فستكون الأميرة زوجة له ،وكم من فارس مغوار حاول من دون فائدة ...سألها عن النبع فقالت له :غداً قبل الغروب سترى كيف يهجم الناس بقرابهم صوبها ..ارتاحت العجوز له كثيراً وطلبت منه قائلة:يا ولدي أنا وحيدة ومقطوعة من شجرة وقد مات ولداي وفتياتي قدمن وجبات للوحش ولدي عدة عنزات ،وقد ارتحت لك كثيراً ولطالما تبحث عن عمل تقتات به فلم لاترعى العنزات ،فحليبها يكفينا نحن الاثنين ؟.وافق كوريGuri.وقي اليوم التالي خرج بعنزاته حتى العصر حيث قدم إلى البيت وأخذ ما يتوفر من القرب وتوجه مع الراكضين صوب النبع .ومع الغروب قدم موكب الملك بجارية الأميرة وهي في أحلى زينتها والجموع وراءها تبكي .تقدمت الجارية صوب النبع .فدخلته والناس صامتة ،وبعد برهة ،سال القليل من الماء،فهجم الناس،كلٌ يحاول إملاء قِرابه ..عاد كوري بالماء ،وقضى الليل يفكر!!فغداً هودور من جازف في سبيل الحصول عليها ،تُرى ماذا عليه أن يفعل ؟! ...قبل مغيب الشمس تقلد سيفه الأميري،وتوجه صوب النبع،حيث دخل المغارة خلسةً،واختبأ وراء صخرة بحيث لايُرى،وعند المغيب بدأ النحيب والعويل يقدم من مسافات بعيدة ، فقد خرجت المدينة كلها تودع أميرتها الشابة ،يتقدمهم الملك والملكة ،والأميرة كأنها البدر التمام وهي بأحلى زينتها ...تقدمت صوب النبع ...وما أن ولجت الداخل حتى تقدم الحيوان برؤوسه السبعة مرحباً ،فخرج كوري من مخبأه..ليُفاجئ الأميرة والوحش معاً،وبدأ النزال قوياً،وفي كل جولة يفتك كوري بأحد الرؤوس حتى أتى على الرأس السابع ،أما هو فقد تمزق قميصه ،وسقط الوحش مضرجاً بدمائه لتسيل المياه الممزوجة بالدماء والناس يملئون قرابهم ..غمست الأميرة كفّها ودمغته على ظهر كوري وخرجت من النبع-الكهف-وهي تهلل فرحة مسرورة ،واستقبلها أهل المدينة بالأهازيج ،لينقلب الحزن إلى فرح ..وفي اليوم التالي نادى المنادي"ليتقدم المنقذ البطل إلى الملك حتى يزوجه الأميرة"..تقدم العشرات على أنهم هم الذين قتلوا الوحش ولكن الأميرة كانت تكشف كذبهم ،وبعد عدة أيام ،انطلق كري بثيابه الرثة ومنظره المقرف إلى القصر وطلب مقابلة الملك فنهره الحراس ولكنه أصر..فأُدخل ليُفاجئ الملك بأنه هو قاتل الوحش طالبا منه تنفيذ وعده،فنهره الملك وأمام إصراره ،هدده الملك بأنه إن كان كاذبا فسيقطع رأسه ..وماإن لمحت الأميرة أثر كفها على ظهره حتى أقرت بأنه هو قاتل الوحش،فتردد الملك وأراد إغراءه بالمال ولكنه أصر على الزواج من الأميرة .وأمام تمسك الأميرة به وافق الملك..بدأت الاستعدادات لحفلة الزواج وحدد مدتها بسبعة أيام.في اليوم الأول جُهِز ل"كوي"بدلة أميرية وأدخل الحمام فنزع صلعته وتحمم جيداً ولبس ثيابه وتقلد سيفه الأميري ..وعندما ظهر بطلعته البهية تملك الجميع الدهشة !!أيكون هو نفسه الأصلع؟!..في هذه اللحظة أُخبر الملك بأن المدينة محاطة بجيش جرار ،فخرجوا إلى القلعة مستكشفين ..يتعرف الأمير على رايات أبيه..و..يذهب الأمير إلى أبيه ..ويعود بصحبته إلى ضيافة الملك (عمه)..ومن ثم تبدأ احتفالات الزواج ست أيام بلياليها ليعود الأمير مع عروسه برفقة والده إلى حيث مملكتهم..
هذه باختصار الحكاية الكردية-والتي أؤكد- بأنني سمعتها شفاهاً من مصادر متعددة ومن مناطق مختلفة وحاولت جاهدا تثبيت-فيما اعتقدته- من تقاطعات أساسية في محور الحكاية،لذا تجاهلت الأسماء محتفظا فقط باسم كوري .... علما بأن هذه القصة وفي بعض من تفاصيلها قد دخلت في ثقافات شعوب متعددة وفي قارات متباعدة ايضا ..وبعض ابطالها قديسون في المسيحية ايضا ... ولكن قبل الخوض في أبعاد هذه الحكاية الترمزية لابد لنا –على حد قول"مرسيا إلياد "
من القول "إن الموت اللازمة التي نجدها في جميع الأساطير الشرقية القديمة في آسيا وإفريقيا وأوقيانوسية .فالماء"تقتل"بامتياز:تحل المشكلة وتلغيه،إن هذا بالضبط هو ما يفسر لنا لماذا هي غنيةب"الإجرام أو الجراثيم المبدعة""20"..ومن هنا كانت هولات الهاوية أو الحيوانات الخرافية ويقابلها"الأبطال والمساروّن"/مستلمو الأسرار/ينزلون إلى حضيض الهاوية لمنازلة هولة البحر ،إنها تجربة استسرارية نموذجياً صحيح ..يقوم التنين أحياناً بحراسة "كنز"والكنز صورة حسية للقدسي،للحقيقة المطلقة.الانتصار الطقسي"الاستسراري"على الهولة-الحارس-يساوي الانتصار على اللا أخلاقية""21".
ولنلق نظرة سريعة على بعض الأساطير المتقاطعة مع الحكاية الكردية الواردة أعلاها:
-في الأسطورة اليونانية يرد اسم/آليكونوس/:وهو شاب جميلٌ اختاره القدر ليكون قرباناً يُسكن غضب المارد /لاميا/ الذي يعيث فساداً في البلاد .وفي طريقه صادف شاب آخر أحبه وتطوع ليكون قرباناًبدلاًعنه وعند مدخل كهف المارد،استطاع هذا الشاب أن يحطم رأس المارد .وعلى الأثر انفجرت عين الماء تدعى"سيباريس""22"
-اندروميد:هي ابنة سيفيوس ملك أثيوبيا من زوجته كاسيوبة.كانت الأم تزهو بجمال ابنتها على حوريات البحر فغضب الإله /بوزيدون/وأرسل أحد الوحوش على بلاد سيفيوس ليعيث فيها فساداً..وقد بين وحي الإله/آمون/أن البلاد لن تنجو إلا إذا قدمت اندروميد قرباناً يلتهمه الوحش،فوضعت الفتاة على الشاطئ ورُبطت بصخرة بانتظار افتراسها ولكن البطل الإغريقي برسيوس الذي نزل المنطقة قضى على الوحش وأنقذها وتزوجها "23"...
-ثيسيوس:...كانت أثينا تدفع ضريبة سنوية بشرية تتألف من سبعة فتيان وسبعة فتيات يرسلون إلى كريت كل عام ليأكلهم /المينوتور /وحش الجزيرة وقد تطوع ثيسيوس بالذهاب والقضاء عليه فوصل كريت وأنشأ علاقة حب مع آريان /بنت الملك فينوس فأعطته خيطاً قاده إلى مخبأ الوحش في التيه ..وقتله ..وعاد بآريان إلى أحد الجزر ولكنه تركها هناك "24"...
-وفي مصر وجدت عادة تقديم الأضاحي البشرية للنيل العظيم خصوصا من النساء فكانت الفتاة تُزين وتُقذف في النيل تيمناً وتبركا بالخصوبة..وقد استبدل عن الأضاحي البشرية في أوقات متأخرة بالدمى حتى عام 1993م حيث منعت العادة بقرار من الحكومة المصرية ..
والآن ماذا بعد كل هذا السد الطويل لهذه الحكاية؟...
فبعد تجاوز الإنسان مرحلة الانتقال والالتقاط المشاعي البدائي،ونزوعه نحو الاستقرار وترويضه للحيوان ..ومن ثم توجهه للزراعة وتوسيعها وما رافق ذلك الاستقرار من توسعٍ لمراكز التجمع وظهور القرى..
ومن ثم المدن بقلاعها وأسوارها وتبلور الملكية الخاصة ..وظهور الحرف والأعمال المستقلة أو ما يعرف بتقسيم العمل ..وعلى الأخص،انتشار الزراعة وتوسعها.ظهر مدى الحاجة الماسة للماء ليس للاستعمال الشخصي فقط بقدر ما أضحت حاجة ضرورية لنمو المراعي ووفرة الإنتاج الزراعي .ولكن يبدو من خلال الحكاية وكأن محلاً شديداً قد ألمَ بالمنطقة حيث بدأ المرء يعاني المرّ في سبيل الحصول على الماء حتى للحاجة الشخصية .حيث انحبس الماء-المطر-لفترة طويلة. فتأتي الحكاية برموزها واستدلالاتها لتوحي بأكثر من نقطة:
-المرأة:بدءاً من العجوز التي فقدت كل من يتصل بها من قرابة ومن تبنيها للقادم،وقبوله لها كأم،فكأني بها توحي لنا عن مكانة المرأة –الأم-الأرض منذ الأزل..خصوصاً عندما كانت المرأة سيدة لمجتمعها وإلهة لها وها هي وقد تجسدت بصورة عجوز تقدم المأوى وسبل العيش إليه كما القيام بدورها الأولي ..وابنة الملك الأميرة وفتيات المملكة اللاتي قدِمن كقرابين للوحش الخرافي ..أليست هي الدلالة للعلاقة الخصبوية الجدلية بين الأرض المعطاءة-المرأة-الولادة-كثرة المردود-زيادة النسل والسكان؟.فانحباس الماء عن المملكة وظهور الجذب والعطش هدد الأرض والإنسان –وبالتالي –تدهورت الحالة المعيشية وكثرت الوفيات ،وقل التناسل ،والفرار"الهجرة القسرية".وما الإضحيات من النساء والتعبير عن قرب هلاك آخر فتاتين بتقديمهما كآخر قربانين إلا تعبير واضح عن العقم والتناقص في عدد سكان المدن ،وفي اللحظة التي تقدم فيها الضحية الأخيرة يتقدم المنقذ لينقذ المملكة من الجذب-المحل-العقم.وقد أثبتت الدارسات والمكتشفات الأثرية الجديدة خصوصاً في "شيخناو""25"-تل ليلان-قرب القامشلي،حقيقة حصول جفاف قوي في المنطقة .فقد وردت دراسات جديدة ومطولة لعلماء في الصحف الأمريكية والأوربية نقلت عنها السورية الكثير من المعلومات .فقد كتبت تشرين تحن العنوان التالي ك/تل ليلان السوري ينقض أساطير التوراة/:/أوضحت دراسات علمية حديثة أن الجفاف الطويل كان سبب سقوط أول إمبراطورية في التاريخ في المنطقة-قبل4200سنة .أكد ذلك فريق من علماء الآثار الجيولوجيين الأمريكيين والفرنسيين في تقرير نشرته مجلة /سانيس/الأمريكية وعرض الفريق قيام وانهيار الإمبراطورية الأكادية التي وحدت مدن النهرين وفرضت سيطرتها على منطقة امتدت من البحر المتوسط حتى عمان وفارس والهند ويعتقد العلماء أن الجفاف دام /300/عام قد يكون أعقب انفجارات بركانية أدت إلى تغطية المنطقة بطبقة من الرماد والرمال بلغ ارتفاعها ثلاثة أقدام.ويميط التقرير اللثام عن أن إمبراطورية سرجون الأكادي التي ظل مصيرها لغزاً حير المؤرخين عبر القرون لم تقهرها الاضطرابات والفتن كما يعتقد سابقاً بل قهرتها عوامل الطبيعة ..وذكر /هارفي فايس/رئيس الفريق أنهم عثروا على الأدلة تحت طبقات من الرماد تغطي أطلال مدينة قديمة تقع في تل ليلان السوري "قرب القامشلي"/"26"
إذن يمكننا القول على ضوء تلك المعطيات أن مسألة المحل هي حقيقة واقعة..ولكن ألا توحي لنا مسألة الحلم ..حلم الأمير بفتاته /صوت المنادي له /ومن جهة توجهه بتلك الصورة ..واستقبال العجوز له ..ألا تعطيه ميزة..توحي-على أقل تقدير –بقرب التخلص من الوضع السائد-أو تمهد له-من خلال القضاء على الوحش الأسطوري الذي وجد نقمة على المدينة ،وكأني بها وقد عوقبت من الآلهة،فآتى الأمير المنقذ ليطهرها ويعيد الحياة إلى مجراها الطبيعي ،بعد أن وقف الملك والد الأميرة عاجزاً عن إيجاد حلٍ وكاد-بعد أن خسر كل فتيات مملكته –أن يخسر ابنته .لتنتفي حوادث الألم/الجوع.بعودة المناخ إلى الاستقرار والأمطار إلى الهطول والأرض إلى الخصوبة ليملأ الفرح المدينة ويعم السرور وقد تجسدت هذه الصورة رمزياً بزواج الأمير من الأميرة حيث دامت الاحتفالات سبعة أيام بلياليها...
وظاهرة أخرى :انطلاقة الأمير من مملكته دون إعلام أبيه الملك لاختيار-اتخاذ زوجة له ..وموقف العجز السلبي الذي رأى الملك والد الأميرة نفسه فيها حتى أنه أخذ بيد ابنته ليقدمها قرباناً للوحش الأسطوري ..ألا توحي بهشاشة البنية الفوقية السائدة؟خصوصا بعد الطور الجديد..وعودة الدورة المناخية إلى حالتها المستقرة وانتفاء الشر والظلم بزوال الوحش والتغير الذي كان من محصلته زواج الأميرين مددشنين طاقماً جديداً من البنية الفوقية –السلطة كتجسيد للوضع الجديد وقد حصل التغيير من داخل البنية الفوقية نفسها ..فانتفت ظاهرة الأضاحي البشرية لانتفاء السبب..لتظهر على شكل احتفالات ترميزية ما زال الفلكلور يحمل صوراً لها في الوقت الحاضر معبرة بصورة جميلة الترابط بين خصوبة الأرض-المرأة..فعندما يتأخر هطول المطر يصنع الأطفال دمية من أغصان الشجر تُلبّسُ زيّ الفتاة ويخرج بها في أزقة القرية وهم يهتفون مغنين:"بوك باران،بوك باران/بوكا مه باران دفيّ/مه بخوه كنمي زر دفيّ/بوكا مه كَياه دفيّ بخوه نيسكي صور دفيّ/../وه بخوى نهكي هشك دفيّ"27".. وأمام كل بيت تقوم ربة المنزل بسكب إناءٍ من الماء فوق الدمية وتعطي الصغار بعض الحلوى وقليلاً من الحبوب..وباعتقادي أن هذه اللوحة تعد صورة تمثيلية لما كان يحدث سابقاً من تقديم الفتيات كقرابين للآلهة درءاً لانحباس المطر –وكأني بهم –هؤلاء الأطفال –يزقون الأرض –العروس إلى زوجها –العريس المعتلي سدة السماء ،علّه يتهيج فيغمرها بسائله الخصبوي لترتوي الأرض وتزدهي بثمارها.
ونستطيع تلمس إيحاءات رمزية أخرى مازال الموروث الشعبي الكردي يختزنه كاستدلال للعلاقة بين الخصوبة /الأرض ،المرأة ما يجري في بغض المناطق ..فحين انحباس المطر لفترة طويلة /في كوباني-عين العرب مثلاً/يؤخذ سروال امرأة عجوز كثيرة الأولاد ويُنشر مقلوباً في الهواء الطلق كنوع من المؤثرات الرمزية لتهيج السماء لتدر بأمطارها "28ط..وكذلك نلمس ترابط مفهوم الخصوبة بين الأرض –المرأة في احتفالات الزواج-الأعراس..فعندما تُجلب العروس من بيت أهلها يعتلي العريس وبعض الوجهاء مكاناً عالياً/سقف بيت مثلاً/ وبيده جرة وقد وضعت فيها الحبوب وقطع من الحلوى والنقود فيلقيها العريس أمام العروس بقوة لتنفجر وتنثر شظاياها ومحتواها على الأرض وكأنه قد نثر الماء مدراراً على الأرض /فالجرة ترمز إلى الماء/وإذا صدف ولم تنكسر الجرة فتكون دلالة شؤم،لذا لا يلبث أقربهم إلى الجرة إلا أن يلتقطها ويحطمها بعنف فتخطو العروس خطوتها الأولى صوب الخصب –الولادة –الأمومة.
-أما الوحش الخرافي /dew/:فأمام اضطراب المناخ وحلول مواسم الجدب والانهيار الذي كاد أن يصل إليه النمط السائد.لما شكله هذا التغيير من تأثير على الوضع الاقتصادي والحياة المعيشية والبنية الاجتماعية .حيث ماتت الزراعة وقفرت المراعي وجفت الينابيع.وأمام حيرة الإنسان في إيجاد تفسير لهذه الظاهرة المناخية ..بدا وكأنه غضبٌ من الآلهة وقد وجه نحو المملكة ولابد من إيجاد وسيلة لإرضاء الآلهة حتى تزيل هذه اللعنة-الغضب،المتمثلة بالوحش،فكان القربان تقرباً منه ولكنه بخصوصيته النسوية عبَّر عن تناقص السكان لفرار قسم منهم من جهة ولقلة التكاثر من جهة أخرى،وما الإيحاء بالعدد الكبير من اللاتي قُدِّمن من أضحيات إلا تعبيراً عن الفترة الطويلة والتي امتدت مئات السنين لهذا الجدب-المحل الذي حصل...ولعل ملحمة فرهاد وشيرين المعروفة قصة حبهما ..إحدى الصور الرائعة التي تصور حالة من التبدل المناخي وانحباس الماء ..وما جرى لفر هاد وهو يكد في الصخرة –الجبل ليفج الماء بعد أربعين سنة كعربون مهر لزواجه من محبوبته ..وما أن فجَّ النبع حتى جرفته –أي فرهاد –معه فرمت شيرين نفسها في النهر لتلحق بحبيبها ..
ولقد كان لانقطاع المطر وحصول الجدب مؤثراته الاقتصادية الواضحة –سلباً-على المجتمع الزراعي –الرعوي قديماً –ولا يزال ...فلا غرو أن يتوجه الوعي البشري لابتكار أساليب ترميزية ابتهالية تليق بعملية الخصب وتحدُّ –بالتقرب من الآلهة- من استمرار المحل "الجدب"العقم ..وباعتقادي هناك مسألة مهمة أيضاً لابد من ذكرها وهي أن المرأة قد بدأت أهميتها بالانحسار لتتقوقع في منزلها ..حيث أن النمط الزراعي والذي توسع كثيراً استوجب الحاجة إلى جهود وطاقات الرجال وإن ظلت المرأة كما الأرض مصدراً للخصوبة وحاملة لدورة الحياة ..أما الخوارق والأعمال العظيمة فقد انيطت بالرجال ..وختاماً علينا أن نذكر بأن الآلهة القديمة كانت بمدلولاتها تعبير عن قوى الطبيعة وتشخيص لصفات الإنسان وعيوبه وإن أخذت سمة الخلود بهيئة إنسان.حيث تتفق معظم الأساطير والروايات بأنها –أي الآلهة-تكونت تحت اسم المردة أو التيتان من اتحاد قسمي العالم الفوقي والسفلي حتى جاء جيل الآلهة القديمة وحلوا محلها /كصراع الأمير مع الوحش الأسطوري /.والآلهة الجديدة تولد غالباً من زوجين حسب الأسلوب الطبيعي وهذا النمط من الآلهة المولودة من الطبيعة تملك من القوة والقدرة على تسخير هذه الطبيعة وتصريفها بمشيئتها ...
بقيت كلمة أخيرة ومهمة في تاريخ هذه الحكاية حيث-اعتقد-بأنها تعود في تاريخها إلى مرحلة سيادة المدن في بلاد ما بين النهرين أي بين 3000-2250 ق.م.

هوامش ومراجع البحث :
* ـ هذه الدراسة / وجهة النظر كانت منشورة في مجلة الحوار العدد المزدوج 7/8 لعام 1995 وايضا تحت اسمي المستعار آنذاك ـ فرياد بوطاني
1-الأسطورة اليونانية-الأب فؤاد جرجي بربارة صفحة 43-نقلاَ عن أرسطو-ما وراء الطبيعة.
2- "كجكا جل كزي"-الفتاة ذات الأربعين ضفيرة-والتي لها مراقد متعددة ممتدة من بوطان إلى جبل قره جوخ،وعلى قمة الجبل هناك بجانب مرقد كجكا جل كزي هناك مرقد ل"لاوكي رهواني أو "راواني"/..وبخصوص مجموعة "لاوك"لي وجهة نظر أخرى ستطرح للنقاش في مجال آخر.
3-لمزيد من الاطلاع حول موضوعة المقدس يمكن مراجعة كتاب"المقدس والدنيوي،رمزية الطقس والأسطورة "تأليف مرسيا إلياد-ترجمة نهاد خياطة-العربي للطباعة والنشر والتوزيع 1987،دمشق.
4-من أسطورة "اينوماليش"مغامرة العقل الأولى ،فراس السواح صفحة 64-109.
5-المصدر السابق.
6-لمزيد من المعلومات يمكن مراجعة/إينانا ودموزي-طقوس الجنس المقدس عند السومريين/تأليف س.ن كريمر ترجمة نهاد خياطة-إصدار سومر للدراسات والنشر والتوزيع-نيقوسيا-قبرص 1986.
7-علي القيم-أنشودة العيادة الأوغاريتية أقدم مدونة في العالم-مقال في جريدة تشرين تاريخ24/8/1982 وللاستزادة حول الموضوع يمكن مراجعة كتاب الموسيقى تاريخ وأثر،علي القيم أيضاً إصدار دار الشيخ،دمشق 1988.ومقالة البروفسور"راؤول فيتالي"في-الحولية الأثرية السورية -1979-عدد خاص عن أوغاريت وأيضاً العدد الأول من الحياة الموسيقية-السنة الأولى-إصدار وزارة الثقافة بدمشق مقال"د.راؤول فيتالي".
8- المقدس والدنيوي-رمزية..مصدر سابق صفحة138.
9-الأسطورة اليونانية..مصدر سابق صفحة 14.
10-المقدس والدنيوي..مصدر سابق صفحة 138.
11- المصدر السابق..صفحة 123-124.
12-لغز عشتار،الألوهة المؤنثة واصل الدين والأسطورة –فراس السواح-الطبعة الثانية-الطبعة السورية1986بإشراف دار الغربال،دمشق.
*لقد طغى الطقس الدوموزي على ثقافات معظم الشعوب وكان لها أكبر الأثر في أصول معظم الديانات..ذلك الطقس الذي تجسد بدورة الحياة-الطبيعة خصوصاً في المجتمعات الزراعية الرعوية ..ونستطيع تلمس ذلك بوضوح في تراثنا الكردي ..في أغاني التراث مثلاً-peyzok"بيزوك"أي أغاني الخريف والتي هي عبارة عن تراتيل تجسد حالات اللوعة والفراق –البعد والألم ..وBuhariyan/بهاريان/أي أغاني الربيع والتي نتلمس في مقاماتها أغاني البهجة والفرح-اللقاء السرور..وقد نعود إلى هذين النمطين في عرض –دراسة مستقلة مستقبلاً...
13-طقوس الجنس المقدس..مصدر سابق ص 119.
14-يقصد ب/"....................."/القوسين والفراغ العضو التناسلي الأنثوي .
15-نقلاً من طقوس الجنس المقدس :س كريمر مصدر سابق ص 91-92-93.
16-المصدر السابق ص 184.
17-ارتأيت في عرض هذه الحكاية سرد شخوصها الأساسين والتي –اعتقد-بأن لها مدلولاتها الرمزية ،لذا حاولت الاقتصار قدر الإمكان.معتمداً في الأساس على شكلها (السردي)في بوطان-ديريك وإن كانت سمات هذه الحكاية الأساسية العامة متفق عليها في جميع المناطق .
18-تكثر في الحكايا الكردية ظاهرة البطل الأصلع سواءً كانت صلعته حقيقية أم مصطنعة ويُسمى صاحبها ب"kecelأوGuri"..كوري أو كه جل وباعتقادي أن هذه الظاهرة أيضاً بحاجة إلى دراسة وتمحيص ..وسنسمي الأمير من الآن وصاعداً ب كوري.
19- "Dew"ديو :حيوان خرافي يكثر ذكره في القصص الشعبية الكردية يوصف أحياناً بأربع رؤوس وأخرى بسبعة .
20- مرسيا إلياد-المقدس والدنيوي..مصدر سابق ص 128.
21-المصدر السابق ..ص 128-129.
22-معجم الأساطير اليونانية والرومانية –إعداد سهيل عثمان وعبد الرزاق الأصفر ص 72 من مطابع وزارة الثقافة دمشق 1988.
23-المصدر السابق .
24- معجم الأساطير ..مصدر سابق.
25-"شيخناو"الاسم الحوري –الميتاني لموقع تل ليلان –انظر مقالة د.فاروق إسماعيل في مجلة دراسات تاريخية العدد 49-50/1-2/1994.
26-جريدة تشرين العدد 5724تاريخ 28/8/1993 الصفحة الأخيرة ،ولمزيد من الاطلاع حول هذا الموضوع يمكن العودة إلى جريدة تشرين العدد5737تاريخ 13/9/1993وجريدة الثورة العدد 9223 تاريخ 21/9/1993صفحة6 وجريدة تشرين العدد 5744 تاريخ 21/9/1993مترجمة عن لوموند الفرنسية صفحة 9.
27-ترجمة أغنية المطر /عروس المطر،عروس المطر /عروستنا تريد مطراً/ونحن نريد قمحاً أصفر /عروستنا تريد عشباً/ونحن نريد شعيراً أسود /../نحن نريد عدساً احمراً/../نحن نريد حمصاً يابساً/.
28-كما جرت العادة-في بوطان مثلاً-على نقيض ذلك فعندما يغزر هطول المطر وتشتد العواصف أن تأخذ المرأة قطعة قماش أسود-ملالة أو غطاء وجه-المهم أن يكون من ألوان الحداد وتنشرها في الهواء الطلق كنوع من المحاكاة –الإيحاء للسماء والغيم لتهدأ من غزارتها..وكأني في حداد المرأة أو إيحاءها بذلك هو إيحاء للجذب أو المحل فعلى الغيم أن تكف من هطولها ..
*********************************

walidhjabdlkadr@yahoo.com
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://abasa.ahlamontada.com
 
وجهة نظر في جوانب من الذهنية التراثية الأسطورية الكردية ... وليد حاج عبد القادر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ـ رسالة الى الجالية الكردية في دولة الإمارات ـ ... وليد حاج عبد القادر
» وليد حاج عبد القادر : رسالة شكر
» زمبيل فروش ... وليد حاج عبد القادر
» ـ مهلا .... العزيز أبو سالار ـ ... وليد حاج عبد القادر
» ـ وفسر الماء بعد الجهد بالماء ـ ... وليد حاج عبد القادر

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات آباسا :: المنتدى الثقافي :: مقالات-
انتقل الى: