الأغنية السورية تعتمد (الجعير) في مطلع الألفية الثالثة
كاتب الموضوع
رسالة
ahmad الأعضاء المميزون
تاريخ التسجيل : 19/10/2009
عدد المساهمات : 329
موضوع: الأغنية السورية تعتمد (الجعير) في مطلع الألفية الثالثة السبت يناير 16, 2010 4:41 pm
شام لايف- بشر عيسى
تتميز الأغنية عن باقي أنواع الفنون في كونها الأقرب والأشمل في تعبيرها عن وجدان الشعوب وحالتها الثقافية والفنية والفكرية والاجتماعية. وعلى الرغم من الانحدار المريع في سوية الأغنية العربية المعاصرة، إلا أنه تبقى هناك أغنيات ذات طابع إقليمي عربي بشكل عام، تحتوي في مكوناتها اللحنية والإيقاعية واللغوية على صفات وأساليب مميزة: فهناك الأغنية الخليجية والأغنية المصرية والأغنية المغاربية والأغنية اللبنانية. فأين هي الأغنية السورية اليوم؟، تلك الأغنية التي تحمل في كلماتها وألحانها وإيقاعاتها الألوان الرائعة الفريدة، أو النكهات العديدة المتنوعة التي تميز هذه البلد التي تفخر بأنها أنجبت أمثال أبي خليل القباني وعمر البطش وسامي الشوا وصباح فخري ومحمد عبد الكريم وغيرهم الكثير. بين الماضي والحاضر إن من يستمع إلى الأغاني الشعبية أو الفلكلورية السورية يستطيع أن يلمس عبقاً من نكهة مميزة، ذات بعد وجداني خاص ومتفرد، وحتى تلك التي كتبت بلهجة مصرية أمثال: (ياماحلا الفسحة، ويا شجرة الليمون يا عينيّ، وإبعتلي جواب وطمنّي) هي أغان سورية بامتياز من ناحية اللحن وروحه المقامية. فابتداء من النصف الثاني من القرن الماضي بدأت ملامح نهضة جادة بالظهور على صعيد تكوين نمط وأسلوب خاص للأغنية السورية، يعتمد في تميزه وخصوصيته على القالب الموسيقي الغنائي (كالقصائد والموشحات والأدوار والقدود الحلبية) وعلى اللهجة الصوتية، والمقامات الموسيقية والإيقاعات التي تنتشر في بلادنا، مبشرة بولادة أغنية عربية حديثة مطبوعة بنكهة سورية، وقد تصاعدت هذه النهضة الموسيقية الغنائية، ووصلت إلى ذروتها في السبعينيات، وذلك على أيدي ملحنين أمثال: مصطفى هلال ورفيق شكري وأنطوان زابيطا ومحمد محسن ونجيب السراج وزكي محمد وعبد الفتاح سكر وعدنان أبو الشامات وسهيل عرفة، بالإضافة إلى ظهور عدد كبير من الأصوات القوية الجميلة أمثال: زكية حمدان ومها الجابري وسعاد محمد ومصطفى نصري وفهد بلان. إلا أن هذه النهضة بدأت بالفتور والانقراض مع رحيل ذلك الجيل من العظماء واحداً تلو الآخر، وصولاً إلى أعتاب القرن الحادي والعشرين مع عدد لا يذكر من الملحنين والمطربين الذين أقعدتهم سنوات العمر، أو همشتهم شركات الإنتاج التجاري ـ الفني، كي يحل محلهم جيل من الشباب الجميل الأنيق إلا في صوته وثقافته الموسيقية. ومع المحاولات العديدة للفرق الموسيقية الشابة المحترفة في إعادة إحياء التراث الموسيقي السوري، أو انتاج أغنية سورية جديدة معاصرة (باستخدام اللهجة الشامية مع الألحان الغربية ـ الشرقية الهجينة) إلا أن المد الجارف لسوق المضاربة بالأغاني والطغيان الهائل لشركات الإنتاج جعل من الأغنية سلعة رائجة، ومن الملحنين والمغنين أدوات يتم التحكم بها بطريقة تتلاءم مع معاييره الفكرية والأخلاقية والجمالية. الأغنية الريفية ـ أغنية الكراجات: من تحت الدلف إلى تحت المزراب مع عجز واستخفاف وسائل الإعلام العربية بالموسيقا والأغنية العربية، ودخول بعضها إلى سوق الإنتاج والمزايدة، وبسبب انقطاع التواصل بين الفنان السوري (المتبقي) وجمهوره، وخلو الساحة الفنية السورية من "الأغنية السورية" بدأ نوع جديد من الأغاني بالظهور، وبدلا من أن يكون خارجي المصدر واللهجة: (أي من دول عربية شقيقة)، فقد أتى من الداخل السوري، وتحديداً من "الكراجات"، بلهجة سورية ولحن سوري ومغن سوري. فبعيدا عن أغاني العشق والهيام الرومانسية، وبعيدا عن التقنيات الإلكترونية الحديثة في العزف والتسجيل والغناء، جاءت "أغنية الكراجات" بطابعها وموضوعها ولحنها الريفي البسيط الساذج، القادم من القرية أو الضيعة، وحُملت عبر "السرافيس والتكاسي" إلى البيوت وأماكن العمل والمدارس، ثم إلى الإذاعة فالتلفزيون..!، وبدلا من أن تقدم بأسلوب موسيقي فني، مغنى ـ على الأقل ـ بصوت جميل، وموزع موسيقياً ومؤدى من قبل فرقة موسيقية جيدة، وبكلمات ومفردات لطيفة تعبر عن أصالة ونقاء مجتمع الضيعة أو القرية، أتت بشكل بدائي فج، وبألفاظ ومصطلحات مغرقة في العامية المحلية لإحدى القرى، ومؤداة من قبل مغنين لا تعرف حناجرهم إلا الصياح و(الجعير) بمرافقة آلة الأورغ، وبلحن مكون من أربع أو خمس علامات موسيقية (أي لا تشكل مقاماً موسيقياً لكونه يتألف من ثماني علامات). هذا هو واقع الأغنية العربية عموماً والسورية خصوصاً في مطلع الألفية الثالثة، إنها الانتكاسة الفكرية والثقافية الأكبر التي قد يواجهها شبابنا وأطفالنا ومجتمعنا العربي بشكل عام، لذلك فإن التصدي لهذه الأزمة لايكمن في أيدي الموسيقيين فحسب، بل يجب أن يتجاوزهم ليشمل جميع فعاليات المجتمع الفكرية من أدباء وشعراء ومثقفين وفنانين وإعلاميين وتربويين، وكما أننا نمتلك تجربة في الصناعة السينمائية وباعاً طويلة في صناعة المسلسلات التلفزيونية والدراما السورية، فقد صار لزاماً علينا أن نفكر جدياً بصناعة للأغنية السورية.
الأغنية السورية تعتمد (الجعير) في مطلع الألفية الثالثة