موضوع: التواصل الثقافي مع العالم ضرورة ملحة الأربعاء يناير 20, 2010 5:50 am
التواصل الثقافي مع العالم ضرورة ملحة
فوزي الاتروشي وكيل وزارة الثقافة على مدى عقود من الدكتاتورية لم يتقوقع العراق وينعزل سياسياً عن العالم فحسب ، بل وثقافياً وحضارياً ايضاً . فلأن الثقافة وخطابها الانساني الاستراتيجي التغييري كانت مبعث خوف ورهبة لدى النظام السابق ، فأنه لجأ الى تحجيمها الى اقصى حد ، فحوَل عالم الفن التشكيلي العراقي الذائع الشهرة عالمياً الى مجرد مجموعة لوحات ونصب ورموز تمجد الدكتاتور في ساحات بغداد وشوارعها وفي متحفه الذي اطلق عليه اسم (القائد المنتصر) وتجنى على عالم الموسيقى والغناء والشعر والرواية والبحث الادبي وكل سياقات التفكير الاخرى ، لذا لم يعد المتابع للشأن الثقافي العراقي يفرق بين الخطابات والتصريحات الصحفية وبين السياقات اللغوية للشعر والرواية والقصة وما الى ذلك من فنون الادب . وانقطع العراق عن العالم وصار الكتاب العراقي محجوباً عن التسويق والشيوع الا اذا تغنى بقامة الدكتاتور واطروحاته التي كان يطلقها في كافة مجالات المعرفة .
وكان لابد من تغيير المشهد واعادة المياه الى المجرى الطبيعي بعد ان اجبرت عنوةً على الجريان في متاهات ودهاليز غريبة . لذا شهد العام (2009) جملة من المبادرات الخضراء من قبل وزارة الثقافة لأعادة التواصل والتناغم مع العالم والحضور الى محافل كان يجب ان يكون للعراق فيها حضور ، وتفعيل ما تراخى من العلاقات واعادة اللحمة الى ماتمزق من خيوط الوصل بين العراق والعالم . ففي العام الماضي التأم شمل نخبة من خيرة منفيي العراق في مدينة (برلين) في شهر اب لعقد مهرجان للثقافة العراقية بحضورنا من قبل مركز الرافدين الثقافي العراقي في مدينة (برلين) التي قدم فيها على مدى اربعة ايام فعاليات غنائية وموسيقية وتشكيلية ومسرحية وشعرية ساهم فيها نحو (50) من مثقفي وفناني العراق في المهجر وكان حضور الوزارة ودعمها للمهرجان مبعث ارتياح كبير لدى مثقفي العراق في الخارج . وفي الفترة من (1-12/9/2009) كان لنا حضور فاعل في المهرجان التشكيلي العالمي في اليونان الذي حضره فنانون من اكثر من (35) دولة قدموا فيها لوحات تتغنى بالحب وتنشد السلام وترسخ ثقة الانسان بتحدي العنف والارهاب وكانت لوحة (رسالة حب من العراق للعالم) واحدة من القطع الفنية التي اجتذبت انظار الحضور وخرج المهرجان ببيان موقع من اجماع الحاضرين تضامناً مع العراق ومن اجل الثقافة الديمقراطية وضد كل اشكال الارهاب وفي كلمة لنا في ختام المهرجان شكرنا الحاضرين وادارة المهرجان على هذا الاهتمام الجميل بحالة العراق . وقد اعلن السيد (زيرفاس) رئيس المنظمة التي تقيم هذا المهرجان التشكيلي سنوياً في اليونان عن عزمه زيارة العراق قريباً .
اما المعرض السنوي للكتاب في مدينة (فرانكفورت) التي تجتمع فيه كل عام معظم دول العالم متمثلة بدور النشر والجهات المعنية بالكتاب فقد كان للعراق في شهر تشرين الاول الماضي حضور حيث افتتح لاول مرة بعد التغيير جناح للكتاب العراقي استطعنا فيه من خلال دار الشؤون الثقافية العامة تقديم صورة عن واقع الكتاب العراقي وتم الاتفاق على الحضور سنوياً وبعث ذلك الامل في الجالية العراقية في المانيا وكان الجميع متفقاً على الاهمية القصوى لفتح النوافذ امام المنجز الفكري العراقي للحضور في المحافل الدولية .
وفي السويد تمخض لقاؤنـــا بوكيلة وزارة الثقافة السويدية ومع السفارة العراقية في السويد على الاستمرار في اقامة الايام الثقافية العراقية في السويد التي يعيش فيها اكثر من (120) الف عراقي ، ويؤدي تحالف المنظمات الثقافية العراقية هناك دوراً فعالاً في تقديم منجز ثقافي عراقي يرفع من وتيرة التوجه لتعريف المجتمع السويدي بثقافة العراق .
وفي المحاضرة التي قدمناها هناك امام حشد من مثقفي العراق حول المشهد العراقي الثقافي الجديد وافاق تنمية دور وزارة الثقافة وكان الجميع متفقاً على المساهمة لتطوير الواقع الثقافي في العراق . اما الدانمارك فكانت جولتنا فيها تستهدف التعريف بتفاصيل الوضع الثقافي العراقي والدور الجديد للوزارة وما تجابهها من تحديات حيث جرى استضافتنا في معهد التواصل الاقليمي والاستشراق ، ومن ثم في اتحاد الادباء الدانماركيين ، وادى التواصل بالتنسيق من (منظمة السنونو الثقافية العراقية) في الدانمارك الى قدوم وفد ثقافي دانماركي لأقامة الايام الثقافية الدانماركية في العراق حيث اقام الوفد فعاليات فنية و موسيقية وقدم قراءات شعرية في (بغداد) و(دهوك) و(اربيل) و(السليمانية) ومدينة (حلبجة) . وقبل ذلك كان هناك اسبوع الفلم الياباني في بغداد في اطار تغيير الصورة النمطية المشوهة التي ترسبت في اذهان نخب ثقافية عديدة في العالم عن العراق .
اما الصين فقد فتحت لنا ذراعيها ورحبت بكل حب وفرح بالوفد العراقي برئاستنا والذي ضم الفرقة القومية للفنون الشعبية التي قدمت عروضاً رائعة في مسارح مدينة (بكين) ومدينة (تيانجين) حيث اكتظت القاعات بالجمهور الصيني الذي صفق طويلاً للفن العراقي . وكانت الزيارة ناجحة ومثمرة للغاية في سياق تفعيل التواصل مع الدولة المؤثرة في العالم . وقد زار الوفد ايضاً (القصر الامبراطوري) وسور الصين العظيم وشارع الثقافة واطلع على معالم بارزة عن الثقافة الصينية . وكان لقاؤنا بوكيل وزارة الثقافة الصينية ومسؤول العلاقات الدولية في الوزارة مناسبة لأستعراض افاق التوقيع على البرنامج التنفيذي الجديد للعلاقات الثقافية (العراقية – الصينية) والتي سيتم التوقيع عليها قريباً . ويهمنا جداً ان ننوَه بالدور النشط والفعال الذي نهضت به السفارة العراقية في الصين لأنجاح هذه الفعالية الهامة .
وشهد العام الماضي اسبوعاً ثقافياً مميزاً للعراق في دولة الامارات العربية المتحدة واياماً ثقافية في عمان ساهمت اضافة الى الأيام الثقافية العراقية في دمشق في انعاش العلاقة الثقافية مع الدول العربية لاسيما وان فيها جاليات عراقية كبيرة ونخبة من المثقفين العراقيين المتميزين في الموهبة والعطاء . ان التواصل في الداخل والخارج هو شريان الحياة لوزارة الثقافة التي نرى ان دورها محوري في العراق الان اكثر من أي وقت مضى فالجهد (الثقافي – الفكري - الفني – الادبي- الجمالي) يفضي حتماً الى الغاء الكثير من التشوهات التي راكمتها سنين الدكتاتورية ومن بعدها موجة الارهاب الظلامي ، مثلما ينشر حتماً الامل والثقة بأن ثقافة التسامح والوئام والتنمية والتواصل الانساني الحواري الحضاري مع العالم هو الاصل وان ثقافة العنف لا حياة لها في العالم الراهن .